شاهد على النكبة: هذا ما حدث عندما طلب جمال عبد الناصر إخلاء الفالوجة (فيديو)

في الذكرى الـ77 لنكبة فلسطين، مازال اللاجئ الثمانيني أحمد مصطفى النجار، أحد أبناء قرية الفالوجة المهجّرة التابعة لقضاء غزة، يحمل في ذاكرته تفاصيل اللجوء والدمار منذ أن كان طفلًا في الـ5 من عمره، حين هُجّرت عائلته قسرًا عام 1948.
وضعته أمه هو وشقيقه داخل قبر مهجور لحمايتهما
وروى الحاج أحمد النجار للجزيرة مباشر أن أفراد عائلته ساروا حفاة الأقدام حتى وصلوا إلى بلدة إذنا في الخليل، وهناك، وتحت وطأة الخوف من “العصابات الصهيونية”، اضطرت والدته إلى وضعه هو وشقيقه داخل قبر مهجور لحمايتهما، بينما ظلت تراقبهما من الخارج طوال الليل، في حين استشهدت شقيقتان له قبل خروجهم من القرية، إثر قصف جوي، ودفنتهما والدته بيديها.
واستحضر أحمد مشاهد الدمار والقتل التي عايشها، قائلًا إن شقيقه اصطحبه إلى منزل أحد الأقارب، وخلال عودتهما شاهدا جثة طفلة مذبوحة ينزف منها الدم. وعند وصولهما إلى البيت، وجداه قد سُوِّي بالأرض، وكان جميع من احتموا بداخله من أقاربه قد استُشهدوا في قصف واحد.

لقاء عبد الناصر وضابط مصري يُغير مجرى حياة القرية
وقال النجار إن عدد من استشهدوا من عائلته بلغ 16 فردًا، بينهم شقيقتاه، وإن أجساد الضحايا كانت ممزقة إلى حدٍ أن والديه لم يتمكنا من التعرف على أصحاب الأشلاء.
وتحدث النجار عن لحظة مغادرة القرية، حين وصل ضابط مصري يُدعى “طه” برفقة جمال عبد الناصر، الرئيس المصري الراحل الذي كان ضابطا في الجيش المصري في ذلك الوقت، وأبلغا الأهالي أن عليهم الانسحاب فورًا، وصعد بعضهم إلى الشاحنات العسكرية، بينما واصلت عائلته السير على الأقدام إلى بلدة إذنا، ثم إلى مخيم الفوّار، حيث أقاموا في خيمة فوق التراب، دون أن يحملوا شيئًا من ممتلكاتهم.
ورغم مرارة اللجوء، لم تنقطع صلة النجار بقريته، إذ زار الفالوجة 4 مرات، كان آخرها قبل 3 سنوات. وأكد أنه لم يجد أيًّا من معالمها، وأضاف “الجامع، والمدرسة، والعيادة نُسفت تمامًا، ولم يبقَ سوى كومة حجارة”.
وذكر أنهم مرّوا بقرى مهجّرة مجاورة مثل عراق سويدان، وعراق المنشية، وبيت عفا، وكراتيا، ووجدوا فيها بعض الآثار، على عكس الفالوجة التي مُحيت بالكامل.

النكبة في وجدان الأجيال
وأوضح الحاج أحمد أنه اعتاد جمع حفنة من تراب قريته خلال زياراته، ليورثها لأبنائه وأحفاده. كان يحمل التراب بين يديه، يستنشق رائحته، مسترجعًا ذكريات الطفولة والحقول.
وقال “هذا التراب من أرضنا، كنا نزرع ونأكل منه، وهذه الحجارة لتتذكروا أن القرية كان يسكنها ما بين 5 إلى 6 آلاف نسمة، وكانت شوارعها تُضاء بفوانيس الكاز (الكيروسين). كانت الفالوجة مميزة عن باقي القرى”.
“متى نذهب إلى الفالوجة يا جدّي؟”
وحتى الآن يجتمع الحاج أحمد النجار في أمسياته مع أحفاده الـ24، ليعرض عليهم صور قريته، ويحدثهم عن الحقول والمنازل والمصابيح التي أضاءت ليالي الفالوجة.
وأشار إلى أن أحفاده باتوا يحفظون تفاصيل قريته عن ظهر قلب، ويسألونه باستمرار “جدّي، متى نذهب إلى الفالوجة؟”، فيجيبهم “إن شاء الله قريبًا، فهي لا تبعد سوى نصف ساعة بالسيارة”.
وختم حديثه للجزيرة مباشر بلمحة من الأمل والثبات، مستشهدًا بالآية القرآنية “أُذِن للذين يُقاتلون بأنهم ظُلموا وإن الله على نصرهم لقدير”.
وأضاف “هذه بلادنا وأرضنا، ومهما فعل اليهود لن ننساها. حتى لو امتلكتُ هنا بيوتًا وعمارات، سأتركها وأعود إلى بيتي في الفالوجة”.
ذكرى النكبة
يوافق الـ15 من مايو/ أيار ذكرى النكبة الفلسطينية التي وقعت عام 1948، مع إعلان قيام ما بات يُعرف بدولة إسرائيل، ونتج عنها تهجير أكثر من 750 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم، وتدمير مئات القرى الفلسطينية.
كانت النكبة بداية لمعاناة اللاجئين الفلسطينيين المستمرة حتى اليوم، حيث يعيش الملايين منهم في مخيمات اللجوء في الداخل والخارج، ويطالبون بحق العودة إلى ديارهم التي هُجّروا منها قسرًا.