x

المصري اليوم حازم صاغية يكتب: 2016.. هذه السنة اللئيمة المصري اليوم السبت 24-12-2016 21:44


قد يحتلّ عامنا الذى ينصرم موقعاً أسود فى التاريخ. دونالد ترامب انتُخب رئيساً للولايات المتّحدة. الشعبويّة فى أوروبا توالى صعودها وتهدّد بقضم بلد كفرنسا. أكثريّة البريطانيّين سبق أن صوّتوا للخروج من الاتّحاد الأوروبى الذى بات، هو نفسه، يواجه احتمالات مصيريّة صعبة. البوتينيّة الروسيّة باتت نموذجاً للحاكميّة، حتّى فى بلدان ديمقراطيّة. بشّار الأسد يحرز انتصاره، مسلّحاً بالروس والإيرانيّين، فى حلب. الإرهاب الإسلامىّ ينشط ويتوسّع. النزاع السنّى- الشيعى ينشط، بدوره، ويتوسّع.

وللمرّة الأولى منذ أمد طويل تغدو العلاقات الأهليّة فى المجتمعات المتقدّمة مطروحة على المحكّ. فالتوتّر العرقىّ فى الولايات المتّحدة، فى ظلّ الحقّ فى امتلاك السلاح، يهدّد بانفجارات قد يصعب ضبطها، خصوصاً فى ظلّ إدارة موصومة بالانحياز العرقى الحادّ. أمّا أوروبا الغربية فأيضاً قد لا تنجح فى تبديد الاحتقان الذى تعيشه جيتواتها وجماعاتها المغايرة، لاسيّما فى ظلّ التكافل، من موقع الخصومة، بين رُهاب الإسلام وإرهاب الإسلاميّين. وفيما الإفقار المتزايد الذى يتسبّب فيه الاقتصاد النيوليبرالى يعزّز الميول القصوى، تكتسب الحروب الأهليّة مزيداً من المواقع فى «العالم الثالث»، بالتوازى مع تصدّع الدول الوطنيّة وحدودها وضمور الإجماعات المشتركة. أمّا العزوف والانعزال اللذان يعدنا بهما السيّد ترامب فيوجّهان ضربة نهائيّة لفرص التوسّط والتدخّل وفضّ النزاعات.

فى المقابل، تبدو الأطراف المؤهّلة للردّ على هذه الوجهة بالغة الضعف والتفكّك: ينطبق هذا على الاشتراكيّين الديمقراطيّين الأوروبيّين، والديمقراطيّين فى الولايات المتّحدة، مثلما يصحّ فى الليبراليّين المناهضين للنيوليبراليّة فى عموم البلدان الغربيّة. أما فى العالم العربى فترفع الثورة المضادّة أعلامها فوق جثّة الثورات التى تفسّخت حروباً أهليّة وإقليميّة.

قلاع المقاومة، التى لاتزال تبدى بعض التماسك، تحتلّ موقعاً دفاعيّاً متراجعاً. المستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل تُستنزف فى إيقاع يومى شهدت سوق الميلاد البرلينية آخر تجلّياته. كلّ عمليّة إرهابيّة تقوّى خصومها فى «البديل» وتُضعفها داخل حزبها وحيال حليفها البافارى «الاتّحاد الاجتماعى المسيحى». إسبانيا، التى تمتاز بافتقارها إلى تنظيم يمينى متطرّف، تتخثّر سياسيّاً فى ظلّ العجز عن بناء تحالف يجمع الحزب الاشتراكى و«بوديموس». كندا- جوستين ترودو التى تخالف الوجهة الكونيّة السائدة، بعيدة ومحدودة التأثير فى مجريات العالم.

أخطر من ذلك ما يحصل على صعيد القيم، كما على صعيد الثقافة والممارسة السياسيّتين:

- الديمقراطيّة المباشرة، التى حذّر منها اليونانيون الأوائل، تتعزّز على حساب الديمقراطيّة التمثيليّة ومؤسّساتها.

- الحمائيّة القوميّة واحتمالات الحروب التجاريّة (الأمريكيّة- الصينيّة خصوصاً) يشتدّ عودها، وكذلك العداء للغريب واللاجئ والمسلم.

- سوريا، وحلب خصوصاً، تقولان إنّ «الإنسان الكونى» اندحر، واندحرت قيمه، أمام المصالح العارية والحسابات الباردة للدولة القوميّة. حقوق الإنسان لن تجد من يدافع عنها.

- فى مناخ صعود القوميّات والشعبويّات وقيم الحرب والتناحر، ومع هجاء «المؤسّسة» و«السياسيّين» و«المثقّفين»، قد يحتلّ العسكريّون مناصب تقريريّة فى الأنظمة الديمقراطيّة، ويحصل شىء من عسكرة الأخيرة. تعيينات ترامب الحكوميّة تنذر بذلك. «الإصلاحات» البولنديّة الأخيرة تقول إنّ السلطة تتأهّل لقضم الحرّيّات. فى ألمانيا ترتفع أصوات تفيد بأنّ التركيب الفيديرالى لا يخدم الجاهزيّة الأمنيّة التى تستدعيها مكافحة الإرهاب.. والأخطر فى مجالات العسكرة والتسلّح ما أوحى به تغريد ترامب عن «تعزيز وتوسيع كبيرين للقدرة النوويّة الأمريكيّة». جاءت التغريدة بعد ساعات على حديث بوتين عن حاجة روسيا إلى «تدعيم طاقتها النوويّة العسكريّة».

- الهويّات تستولى على الأفق. الحداثة والتقدّم والتنوير والنزعة الإنسانويّة تنتكس جميعاً. الانتكاس يطاول الوعى البيئوىّ وإنجازاته مثلما يطاول الوعى الجندرى ومكاسبه، والوعى المناهض للعنصريّة بسائر تلاوينه.

فليس من المبالغة، والحال هذه، توقّع حقبة مظلمة تقيم وراء هذه السنة اللئيمة، 2016. وقد تتمكّن البلدان المتقدّمة، تبعاً لمؤسّساتها وتقاليدها وامتلاكها كتلاً شعبيّة وازنة تسند الديمقراطيّة، من تقصير هذه الحقبة والحدّ قليلاً من أكلافها الباهظة، لكنّ هذا لا يصحّ فى بلداننا والبلدان التى تشبهها، حيث الأزمات أعمق وأعنف، فيما انعدام مضادّاتها الاجتماعيّة والثقافيّة قد يقود إلى عصر ظلمات متمادٍ.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية