رأى خبراء أن الغربيين يتابعون في حالة من العجز المواجهات الجارية بين الميليشيات المتخاصمة، والتي أسفرت عن مقتل نحو 100 شخص في غضون أسبوعين في ليبيا، حيث تقلص هامش المناورة لديهم تدريجيًا منذ سقوط القذافي بفعل إرادة الليبيين أنفسهم.


بيروت: بعد مقتل الزعيم الليبي السابق معمر القذافي في تشرين الاول (اكتوبر) 2011 بعد حرب بين جيشه النظامي والثوار المدعومين من الاميركيين والفرنسيين والبريطانيين وعدد من الدول العربية، استضافت العواصم الغربية عددًا من المؤتمرات الدولية بهدف مساعدة السلطات الليبية على بناء دولة جديرة باسمها واعادة تنظيم الجيش واعادة بناء الاقتصاد.
&
لكن هذه المقترحات المتعلقة بالتدريب لم تلقَ حماسة الليبيين. هل كانت الدول الغربية مهملة؟ يشير جيسون باك الباحث في جامعة كامبريدج الى أن "الغربيين عرضوا بالفعل توفير خدماتهم وخبراتهم على مستوى اعادة الاعمار، شرط أن يطلبها الليبيون... وهذا لم يحدث لأنها لم تفرض عليهم".
&
فالليبيون المتمسكون بالاستقلال الذي نالوه في كانون الاول (ديسمبر) 1951 من الاستعمار الايطالي، لم يكونوا يرغبون في أي تدخل في شؤونهم. واكد انطوان فيتكين الكاتب ومخرج الافلام الوثائقية حول ليبيا أن "الليبيين قالوا لأنفسهم وما زالوا انها بلادنا. ولديهم ارادة في ادارتها بانفسهم".
&
وتابع "أنها شؤوننا، حان دورنا على ما قال محمود جبريل وعلي زيدان لنفسيهما". وقاد جبريل السلطة الانتقالية التي نشأت بعد الثورة من اذار (مارس) الى تشرين الاول (اكتوبر) 2011، فيما تولى زيدان رئاسة الوزراء من تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 الى آذار (مارس) 2014.
&
كما أن المفاهيم الغربية حول الحاجة الى مؤسسات سيادية لا تتلاءم والمجتمع الليبي. وافاد جان ايف مواسرون من معهد الابحاث والتنمية أن "مفهوم الدولة لا معنى له في ليبيا"، متحدثًا عن دولة "دمية مزودة بأطياف مؤسسات سيادية تستخدم ادوات في المنطق القبلي". ونظرًا الى ثروات البلاد، تعتبر القبائل ايضًا أنها لا تحتاج الى الغربيين لاعادة الاعمار، كما قال.

لكن تقاسم ارباح هذه الموارد الهائلة من المحروقات التي تعتبر من بين الاكبر في أفريقيا، ادى الى الازمة الحالية. ولفت مواسرون الى أن "التحالفات القبلية لم تعد تقبل تقاسم الموارد النفطية على ما هو عليه. فقد بلغت ليبيا قمة الازمة بين الذين يسيطرون على الموارد النفطية والاسلاميين. اننا نشهد انهيار ما تبقى من البنى المركزية للدولة".
&
لكن الباحث لا يرى أن ما تشهده البلاد مشابه لوضع الصومال، معتبراً أن الوضع قد يؤدي الى تحالفات أعيد ترتيبها بين القبائل لأن الجميع لديه الكثير ليخسره في حال وقف استغلال النفط.

وأمام اعمال العنف، طلبت دول غربية من رعاياها مغادرة ليبيا.
&
واعتبر الدبلوماسي الفرنسي السابق في ليبيا باتريك حايم زاده أن البلاد في صدد التفتت. وصرح أن "مأساة تحصل. فالليبيون خابت امالهم لأنه لم يعد هناك مستقبل لأولادهم. لا أحد يدري ما سيحصل بعد عشر سنوات لهذه البلدان، سوريا والعراق وليبيا، جميعها مستعمرات سابقة خضعت أو ما زالت لنظام متسلط، ولا نعرف اذا كانت ستبقى موجودة".
&
لكن هل كان التدخل العسكري الغربي خطأ؟ "الحرب كانت خيارًا منذ البداية، ما ادى الى تصلب المتشددين لدى الطرفين. وفهمت الولايات المتحدة، بعد تجربتي العراق وافغانستان، أن التدخلات العسكرية لا تحل شيئًا"، بحسب حايم زاده.
&
وتساءل فيتكين "هل كان ينبغي اجازة ارتكاب مجازر بحق آلاف الاشخاص المحاصرين من قوات القذافي في بنغازي؟ هذا هو الخيار الابدي بين الديكتاتورية أو الفوضى"، في اشارة الى الحدث الذي أدى الى التدخل العسكري في اذار (مارس) 2011.
&
واعتبر ستيفانو سيلفستري من معهد الشؤون الايطالية أنه لا يمكن انتقاد التدخل الغربي، مشيرًا الى أن "الامر كان ينبغي فعله، لكن غياب الاعمال المتتالية من اجل استقرار الوضع كان خطأ بالطبع"، معربًا عن الاسف لغياب النية لنشر قوة عسكرية على الاراضي الليبية لتشجيع فرص اعادة البناء.