جعجع وعون مرشحان قويّان، ومثلهما الرئيس أمين الجميّل وزعيم تيار quot;المردةquot; النائب سليمان فرنجية، ولا يمكن فوز أي منهما بالرئاسة بسهولة، بل إن انتخاب أحدهم يستلزم حصول تسوية كبرى على مستوى الاقليم قبل أي تسوية داخلية محلية.


بيروت: مثلما شكّل ترشيح رئيس حزب quot;القوات اللبنانيةquot; سمير جعجع لرئاسة الجمهورية إحراجًا لحلفائه في فريق 14 آذار وعلى رأسهم الرئيس سعد الحريري وتيار quot;المستقبلquot; ما دفعهم إلى تأييده على مضض ولأسباب تكتية، فان ترشيح رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون شكّل بدوره هو الآخر إحراجًا لحلفائه في فريق 8 آذار وعلى رأسهم quot;حزب اللهquot; ورئيس مجلس النواب نبيه بري، فأيدوه عبر التصويت بأوراق بيضاء ضد جعجع ما حال دون فوزه، لكن هذا التصويت إذا حصل تأييدًا لعون في جلسة لاحقة لن يؤدي إلى فوزه لأنهم لا يملكون الاكثرية المطلقة إذا لم يستميلوا كتلة النائب وليد جنبلاط إلى صفوفهم، وهذ أمر مستبعد.

وأهم ما أظهرته جلسة الانتخاب الرئاسية الاولى لمجلس النواب الاربعاء الماضي هو وجود ثلاث تكتلات سياسية ونيابية تخوض معركة انتخاب الرئيس الجديد وهي كتلة نواب 14 آذار تقابلها كتلة نواب 8 آذار، وبينهما كتلة quot;الوسطيينquot; وبعض النواب المستقلين.

رئيس توافقي

وكل كتلة من هذه الكتل لا تملك إمكانية تأمين نصاب أكثرية الثلثين (86 نائبًا) الدستوري لعقد جلسة، ما يعني أنه يستحيل على أي طرف من الاطراف الثلاثة إيصال أي مرشح له إلى سدة الرئاسة ما لم يتفق عليه مع الطرفين الآخرين، بمعنى آخر أن الرئيس اللبناني الجديد لا يمكن أن ينتخب الا باتفاق جميع الاطراف عليه، فيكون في هذه الحال رئيسًا توافقيًا يقبل به الجميع، داخليًا وخارجيًا، ولن يكون في إمكان أي فريق داخلي وحليفه الخارجي فرض الرئيس الذي يؤيده على الآخرين، وانما عليه ان يتوصل إلى تفاهم مع الاطراف الآخرين الداخليين والخارجيين حتى يتم انتخاب هذا الرئيس او اي شخصية اخرى يتم الاتفاق بين الجميع عليها.

مرشحون أقوياء

ولذلك فإن ما قاله البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي إثر زيارته رئيس مجلس النواب نبيه بري اليوم وهو في طريقه إلى الفاتيكان من أن quot;الرئيس التوافقي هو الرئيس القويquot; إنما يختصر المشهد الذي آل أو سيؤول اليه الاستحقاق الرئاسي اللبناني، وهو إجماع كل الأفرقاء السياسيين على مرشح توافقي ينتخبونه رئيسًا للجمهورية. وبهذا المعنى فإن كلام صفير اسقط، قصداً او بغير قصد، ترشيح كل من عون وجعجع، وكل ما يشبههما من المرشحين الذين يُسمّون quot;أقوياءquot;.

وقد نقل عن رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى quot;إيلافquot; ارتاحيه الكبير إلى موقف البطريرك الراعي الذي سيساعد في رأيه على إختيار الرئيس اللبناني العتيد، ويخرج الاستحقاق من دائرة التنافس غير المجدي بين مرشحين لا يملك اي منهم قدرة على الفوز بالاكثرية النيابية المطلقة، اي اكثرية الـ65 صوتاً، بعد سقطت اكثرية الثلين( 86 نائباً) التي ينبغي ان يفوز بها المرشح في دورة الاقتراع الأولى الاربعاء الماضي
في تلك الجلسة جرب جعجع حظه ففشل في دورة الاقتراع الاولى فنال 48 صوتا من اصل اكثرية الثلثين التي كان عليه ان ينال تأييدها والبالغة 86 صوتا، ولكنه عاد وأعلن عزمه على تجريب حظه في الدورة الثانية المقررة الاربعاء المقبل والتي عليه ان ينال فيها الاكثرية المطلقة من عدد اعضاء مجلس النواب البالغ 128 نائبا، اي النصف زائدا واحدا (65 صوتا).

ولكن النتيجة معروفة منذ الآن، قد ينال مجددا 48 صوتا، ويمكن هذا العدد ان ينقص، لان نواب تيار quot;المستقبلquot; الذين ايدوه في الدورة الاولى باستثناء نواب طرابلس، لن يكرروا هذا التأييد لاقتناعهم ضمناً بأنه لا حظوظ له بالفوز الآن وحتى في المستقبل، علما انهم حتى لو ايدوه فإنه لن يتمكن من نيل الاكثرية المطلقة، اذ قد يحصل على 59 صوتا حداً اقصى، لأن كتلة النائب وليد جنبلاط والنواب المستقلين لن ينتخبوه.

علمًا أن بعض الذين انتخبوه انما فعلوا ذلك على مضض، أو على سبيل المناورة السياسية في مواجهة خصومهم في 8 آذار.

ولذلك يتوقع سياسيون ونواب ان تكون جلسة الاربعاء المقبل، جلسة خروج جعجع من السباق الرئاسي ودخول مرشحين آخرين اليه، وابرز هؤلاء رئيس quot;التيار الوطني الحرquot; النائب ميشال عون الذي استأخر دخول السباق في جلسة الاربعاء في مواجهة جعجع ممنا النفس بدعم quot;مستقبليquot; لترشيحه في دورات الاقتراع اللاحقة.

ولذلك وبعدما سقط جعجع في الدورة الاولى، عمد النواب العونيون إلى تطيير نصاب الجلسة البالغ 86 نائبا قبل ان يدعو رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى دورة الاقتراع الثانية. ويعتبر عون انه بتأخره في الترشيح إلى الدورة الثانية انما خفض عدد الاصوات الذي عليه ان يفوز به لو ترشح في الدورة الاولى، وهو عدد لم يكن في امكانه الحصول عليه، اي 86 صوتا، وفي الدورة الثانية عليه أن يفوز باكثرية 65 صوتا فقط.

حجة جنبلاط

ربما يعتقد عون ضمنا أنّ في إمكانه الحصول على هذا العدد معولا على حليفيه حركة quot;املquot; برئاسة بري وحزب الله اقناع جنبلاط بالتصويت له. ولكن هنا في هذا السياق تشير معلومات إلى أن جنبلاط الذي لم ينتخب جعجع، لن ينتخب عون أيضًا، وأنه عندما رشح احد اعضاء كتلته النيابية النائب هنري حلو لرئاسة الجمهورية انما فعل ذلك لكي يكون في حلٍّ من انتخاب اي من جعجع وعون بذريعة ان لديه مرشحه الذي عليه ان ينتخبه وأن يقنع الاطراف الآخرين به.

ولذلك ستنتهي جلسة الانتخاب الثانية الاربعاء المقبل، اذا انعقدت بنصابها الدستوري البالغ 86 نائبا، إلى خروج جعجع وعون من السباق الرئاسي، ليبدأ الاطراف السياسيون البحث عن الرئيس التوافقي الذي تحدث عنه البطريرك الراعي بعد زيارته بري، وغالب الظن أن ايجاد هذا الرئيس سيتأخر إلى ما بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان ليل 24 /25 ايار (مايو) المقبل، حيث سيحصل فراغ في سدة رئاسة الجمهورية يشكل حافزا للافرقاء السياسيين على البحث الدؤوب في ما بينهم لاختيار الرئيس الذي يشكل القاسم المشترك الذي يجتمعون حوله.

والرئيس بالتأكيد لن يكون منتمياً لا لفريق 14 آذار ولا إلى فريق 8 آذار بل ستكون شخصيته مجرّبة في تحمّل المسؤولية الوطنية ولا تستفز أحدا في الداخل والخارج، وتنسجم مع طبيعة الاوضاع المحلية والاقليمية والدولية السائدة.