x

أحمد الصاوي قلاش ومنى مينا.. اصطياد الجزر المناوئة أحمد الصاوي الإثنين 21-11-2016 21:30


من المفارقات المضحكات أن حكم حبس «نقابة الصحفيين» نقيباً ووكيلاً وسكرتيراً عاماً بتهمة إيواء مطلوبين أمنياً، جاء بعد إخلاء سبيل المطلوبين.. وهما الصحفيان عمرو بدر ومحمود السقا. بمعنى أن المطلوبين لم يكونا مطلوبين عند النطق بالحكم.

هذا حكم قضائى. يمكن أن تردد الكثير من ديباجات احترام الأحكام القضائية وغير ذلك، مع أنه حكم أوّلى يمكن الاستئناف عليه، لكن خارج ساحة القضاء لا يمكن اعتبار هذا الاستهداف لنقابة الصحفيين مجرد خلاف قضائى بين النقابة كمؤسسة وإحدى مؤسسات الدولة، ممثلة فى وزارة الداخلية.

لعلك تذكر أبعاد المسألة التى تفجرت منذ إعلان «تنازل» النظام عن جزيرتى «تيران وصنافير» للسعودية فى اتفاق باغت المصريين، وتذكر أن سُلم نقابة الصحفيين كان وجهة الغاضبين الذين احتشدوا عليه وأمامه ووجهوا أعنف انتقاد للنظام على هذا «التفريط»، ما أدى إلى محاولة كسر نقابة الصحفيين باقتحامها «بالمخالفة للقانون»، رغم عدم الحاجة لذلك حتى فى ضبط الزميلين اللذين تعرضا لهذه الملاحقة أيضاً بسبب رفضهما التنازل عن الجزيرتين.

هنا أنت فى معركة سياسية خالصة، وليس فقط نزاعاً قضائياً. انتهت معركة «تيران وصنافير» بتأكيد مصريتهما على الأقل فى الوجدان الشعبى، ووصم معسكر التفريط فيها. المعركة الآن عنوانها كسر نقابة الصحفيين وإهدار كرامتها، وهى النقابة التى وقفت لعقود طويلة منذ تأسيسها تتصدر القضايا الوطنية وتدافع عن الحريات، كل الحريات، وتفتح أبوابها لكل صاحب رأى، سواء كان كاتباً أو فناناً أو حتى متظاهراً لا يملك إلا رفع الصوت بالهتاف. اربط الحكم الصادم الذى يخص نقابة الصحفيين بمحاولات ملاحقة الدكتورة منى مينا، وكيل نقابة الأطباء، بسبب تأويل تصريحات لها عن المستلزمات الطبية، «أتمنى أن تعود لأصلها خلال مقابلة مع الزميل الإعلامى جابر القرموطى لتسمعها بنفسك ولا تترك أحدا يحكى لك عنها»، وشاهد حجم التأويل والتسخين والنفخ الذى حدث ويحدث، فى محاولةٍ لاصطياد وكيلة النقابة الأشهر ومجلس نقابة الأطباء كله.

وتذكر كذلك معركة الأطباء مع الدولة فى واقعة اقتحام منسوبين للشرطة لمستشفى المطرية واعتدائهم على الأطباء، ومحاولة وزارة الداخلية حماية رجالها والضغط على الأطباء، وهى محاولة فشلت فى جميع الأحوال. هذا نظام ككل الأنظمة التى مرت على مصر، يسعى أول ما يسعى لتجفيف منابع المناوأة، وقد نجح بامتياز فى ملفات كثيرة. كبح التظاهر، وقتل السياسة وتنوعها، ووأد الأحزاب السياسية فى مقارها من جديد، وينفذ مجموعة استحواذات وتدخلات، نجحت كذلك فى تطويع الإعلام الرئيسى أو الأكثر تأثيراً من بين الوسائل التقليدية، حتى «السوشيال ميديا» تكشف إدارته للجان عبر وجوه معروفة، ويحاول تمرير قانون يحاصر المجتمع المدنى ويشل خطواته، يستهدف الحركة الحقوقية، ويمتد لتعامل أمنى صِرف مع كل القطاع الأهلى بجمعياته ومؤسساته. لا يمكن فصل عملية استهداف النقابات عن عملية التجفيف تلك، ولأن نقابة الصحفيين طوال الوقت فى مرمى نيران الاستهداف ومحاولة التطويع، كان لابد من التعامل معها بهذا الغشم فى صياغة المحاضر ومذكرات التحريات وتنفيذ الاقتحامات، ما مهد لصدور هذا الحكم غير المسبوق فى التاريخ، مع محاولة اصطياد منى مينا والضغط على نقابة الأطباء تمهيداً لكسرها وكسر مجلسها المصنف كذلك «مناوئاً».

ليست المسألة مجرد «تصفية حسابات»، أو كما يعتقد كثير من الزملاء، أنها تأتى انتقاماً من المؤسسة الأمنية على ما نالها من النقابتين، خصوصاً حملة نقابة الصحفيين المسماة «الوزير النيجاتيف»، التى امتنعت خلالها الصحف عن نشر صورة وزير الداخلية، لأنها لو بدت كذلك، فلابد من تسويقها سياسياً للنظام ككل.. وما لم تكن للنظام مصلحة فى إسكات النقابتين وتطويعهما، لما تحمل هذا الحجم من الانتقاد الدولى، خاصة مع تصدُّر خبر حبس قادة نقابة الصحفيين الثلاثة نشرات العالم، وما سببه من «وصمة» أضيفت لسجل النظام مع الحقوق والحريات. المعركة على ما بقى من «جزر مناوئة» يخوضها هؤلاء بقدر مذهل من «الاستبياع»، الذى لا يقدر عواقب إشاعة كل هذا التوتر وتصدير هذه الصورة عن مصر، ظناً أن من نجح مع الأحزاب قد ينجح مع النقابات، وهو ظنٌ كله إثمٌ وليس بعضه فقط.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية