القواعد العسكرية الغربية في سوريا.. تحضيرات للحرب القادمة

القواعد العسكرية الغربية في سوريا.. تحضيرات للحرب القادمة
غيرت الحرب السورية الكثير من البديهيات في التاريخ و الجغرافية، فالسنوات الخمس التي مرت على سوريا استطاعت دفعها إلى واجهة الأحداث، لتصبح سوريا الفصل الأول في تغيير خارطة المنطقة و ربما العالم.

 تتميز الحرب السورية بكونها ميدان (التنافس والتناغم ) بين الدول العظمى، التي استطاعت التغلغل عميقاً داخل تفاصيل الحدث السوري، وصولاً إلى رسمه و التحكم به . لتنتهي فترة التدخل الغير مباشر بالإعلان الأمريكي و قبله الروسي، عن دخول قواتهم إلى سوريا، و لتبداً القواعد العسكرية بالتكاثر كالفطر في سوريا.

القواعد الأمريكية

وحسمت أمريكا خيارها واختارت  الأكراد كشريك في الحرب ضد "الإرهاب"، و التي شرعت تقدم لهم دعماً غير مسبوق في تاريخ الحرب السورية، فقد ظهر للعلن بناء عدة قواعد عسكرية غربية تركزت شمالي سوريا، والتي تقع في المناطق التي سيطر عليها الأكراد بعد الدعم الجوي الهائل من التحالف، حيث بنيت أول قاعدة بالقرب من الرميلان شمالي شرقي سوريا، والتي تعتبر القاعدة الجوية الامريكية الأولى في سوريا، إضافة لقواعد أخرى طور الإنشاء، سواء قاعدة أمريكية ثانية، أو قاعدة ألمانية في نفس الحيز الجغرافي الممتد شمالي سوريا والقاعدة الفرنسية بالقرب من مدينة عين العرب.

إضافة إلى الدعم الكبير للأكراد في سوريا، والذي تؤكده إقامة هذه القواعد في المناطق التي يسيطرون عليها، يمكن الفهم و بسهولة، أن النظام السوري الذي يعتبر متحالفاً معهم، في وضع أقرب للتحالف مع الدول التي وضعت قواعدها في أراضي ماتزال تابعة قانونياً للنظام، ما يعني أنه يوجد هناك شكل من التعاون معه من أجل بناء هذه القواعد، ولا يستبعد أن يكون النظام طرفاً في أي اتفاقية تتعلق بهذه القواعد، حالياً أو لاحقاً، حتى لو كان دوره يقتصر على الإذعان والتسليم .

تلعب هذه القواعد دوراً مهماً في الحرب المستعرة  في العراق وسوريا، والتي تسبب عدم وجود قواعد جوية غربية في هذه المنطقة بأضعاف فاعلية القوات الأمريكية والغربية التي شاركت فيها عموماً، ورفعت كلفة التدخل وحددت الأعتدة التي يمكن استخدامها فيها .

يضاف لذلك مستوى الدعم الجوي الذي تقدمه الدول الغربية للأكراد، و الذين لا يستطيعون فعلياً العمل بدونه، و الذي  لا يمكن حصره بسهولة، بداية بالأسلحة إلى الذخائر، إلى الدعم المختلف الأشكال التقني واللوجستي و التدريبي والسياسي، وصولاً إلى الدعم بالضربات الجوية.

 والذي سيصبح وصوله أسهل و أقل كلفة مادية وسياسية، من الدعم الجوي القادم عبر العراق أو تركيا أو الخليج، و سيصبح هناك حرية أكبر للتحالف في تعامله مع الأكراد، واستجابته أسرع، وسيكون بإمكانه التكثيف من استخدام المروحيات الهجومية، التي غابت تقريباً عن مشهد المعركة في سوريا -من طرف التحالف واقتصر على الطائرات القاذفة، و طائرات الاسناد المباشر الثابتة الجناح، والتي تعني الكثير في بيئات المعارك الحضرية و الصحراوية .

إضافة لتأمين قواعد للإمداد والتموين و الخدمات الأخرى المختلفة للقوات الأمريكية و الغربية، التي بدأت بالظهور بشكل  تدريجي محدود في المنطقة بحجة الخبراء و التدريب و الاستشاريين، و الذين يجب أن يكونوا بالقرب من خطوط المعارك، و التي تبعد مئات الكيلومترات عن أي قاعدة جوية غربية.

القواعد العسكرية الروسية

روسيا التي كانت أول الذين حصلوا على قواعدهم العسكرية في سوريا، تعتبر أحد الأهداف للقواعد العسكرية الغربية في سوريا، فسيكون من جملة مهام هذه القواعد، مراقبة النشاطات الروسية في قاعدة حميميم، إضافة للقواعد الروسية الأخرى التي حصلت عليها روسيا من النظام كمطارات بادية حمص و مطار القامشلي وغيرها، والتي تشمل مراقبة حركة الطائرات و أنواعها و قدراتها و فاعليتها، إضافة للأسلحة غير التقليدية التي يمكن أن تنشرها روسيا في سوريا، وبخاصة الصواريخ البالستية و الصواريخ البعيدة المدى، والتي في حال نشرت في سوريا فستكون تهديداً جديداً يجب على الناتو التعامل معه.

 فمنذ الخمسينيات لم تنشر بشكل علني أي صواريخ بالستية روسية خارج النطاق المعتاد، والذي يشمل أراضي الاتحاد السوفييتي، فنشر صواريخ برؤوس غير تقليدية في المنطقة يعد تهديداً حقيقياً، خصوصاً مع القواعد العسكرية الغربية في الخليج، و التي أصبح زمن الانذار لديها أقصر، وأصبح قسم منها في مدى القاذفات التكتيكية الروسية، التي يمكن أن تقلع من حميميم و تضرب قواعد أمريكية في الخليج أو العراق، خلال زمن قصير نسبياً، أو القاعدة البريطانية في قبرص أو السفن الأمريكية في البحر الأحمر والمتوسط، حيث كانت هذه القواعد آمنة نسبياً من تهديدات روسيا المباشرة، حتى إنشاء القاعدة الروسية في حمميم.

فقد سعت روسيا للإيحاء أنها نشرت أسلحة نووية في حميميم، والتي تعد سابقة خطيرة و تهديداً أمنياً حقيقيا لتركيا و الناتو، وحدث ذلك عندما سربت روسيا صوراً لبطاريات صواريخ "اسكندر" البالستية التكتيكية، القادرة على  حمل رؤوس نووية، وتعتبر صواريخاً مصممة لاختراق منظومات الدفاع الجوي الصاروخي المضادة للصواريخ .

حيث وضعت روسيا سابقاً صواريخ اسكندر،  في مواجهة مكونات الدرع الصاروخي الأمريكي، الذي نشرت مكوناته في شرقي أوربا .

فروسيا التي جاهرت بنشر منظومات صاروخية بالستية في سوريا و ما قد يحتويه ذلك من رسائل مبطنة حول احتمالية نشر سلاح نووي، قد لا تكون الوحيدة التي ستنشر سلاحاً نوويا في المنطقة، مع التهديد الهائل الذي يمثله الموضوع و الذي يعتبر سابقة تاريخية، خصوصاً مع عودة رياح الحرب الباردة إلى المنطقة، المتمثلة بالتنافس الروسي الغربي على سوريا،  والذي وصل مرحلة ترسيم جزء من الأراضي السورية كأراضي روسية في مطار حميميم.

حيث يمكن كذلك نشر أجزاء من منظومة الدرع الصاروخي الغربي في سوريا، حيث يدعي الامريكيون أن هذا الدرع موجهة بشكل أساسي ضد إيران، التي تطور برنامجاً صاروخياً "طموحاً".

فلن يكون من المستغرب على أمريكا -التي نشرت سابقاً صواريخاً نووية في تركيا- أن تعود وتنشر أسلحة غير تقليدية في قواعدها في سوريا، والتي تعتبرها موجودة ضمن نطاقات آمنة مسيطر عليها من قبل حلفاء موثوقين .

المطارات التركية

مواقع هذه القواعد الممتدة في الشمال السوري الذي يعتبر المنطقة المشرفة على المعارك في شرق سوريا و شمالها الغربي، فوجود مطارات عسكرية فيه يمكن استخدامها للطلعات الجوية، الموجهة ضد هذه المناطق  أمر حيوي جداً للتحالف، الذي يرغب بالتخلص من هيمنة تركيا على المطارات شمالي سوريا، حيث يجبر التحالف على استخدام قاعدة " انجرليك " التركية العائدة للناتو، و التي تحصل على مكاسب من استخدام مطاراتها، أهمها حاجة الناتو لها (و التي يرغب الناتو بالتخلص منها)، عدا عن الفوائد الأخرى.

فوجود مطارات للتحالف و الناتو شمالي سوريا سوف يلغي الحاجة لقاعدة انجرليك، أو أي قاعدة جوية تركية، إلا للحالات الطارئة، ما يعني سحب ورقة مهمة من يدها .

فتركيا التي تعتبر حليفاً -غير مرضي عنه-،  بدأت تشكل تهديداً حقيقياً للغرب المتحالف معها، بسبب ميولها لتطوير ترسانتها العسكرية وتصنيعها محلياً، و المستوى التقني المتقدم الذي وصلت إليه، والتعاطف الشعبي الكبير الذي تحصده بحكم مواقفها. 

ما يجعل مراقبة النشاطات التركية بشكل وثيق إحدى المهام الأساسية لهذه القواعد، خصوصاً أنها تعتبر قريبة جداً من الحدود التركية السورية، وبعض هذه القواعد وضع على تلال كالقاعدة الفرنسية، الأمر الذي يعني إضافة للموقع الجغرافي المشرف الحصين، إمكانية استخدام قدرات السطع اللاسلكي والراداري، بشكل أفضل وجملة الأهداف التي يمكن سطعها هي الطائرات التركية و الروسية، والقواعد العسكرية الروسية والتركية في المنطقة، إضافة لمراقبة سير المعارك ضد المتمردين الأكراد شرقي تركيا، وبخاصة الضربات الجوية ضدهم في المناطق الشرقية، وصولاً حتى جبال قنديل.

 

إضافة لتخفيض الاعتماد على القواعد الغربية في تركيا، ستتسبب القواعد العسكرية الغربية شمالي سوريا في تخفيض اعتماد الدول الأوربية على القواعد العسكرية في الخليج، والتي من المحتمل أن تندلع فيه مواجهة مسلحة بين إيران ودول الخليج، خلال الفترة المقبلة بسبب طموح إيران التوسعي، والتي لم تتوقف عن إطلاق التصريحات التي تهدد فيها دول الخليج بمجملها، و التي بلغت حد اجتياح الخليج بشكل كامل، وإفناء كل من فيه وضمه تحت سلطة الولي الفقيه.

حيث تؤمن هذه القواعد كذلك خط مواصلات جيد، مع العراق و لاحقاُ مع إيران أفضل بكثير من الخط عبر دول الخليج أو تركيا .

ما يعني أن بروز هذه القواعد العسكرية،  قد يتلوه تغير نماذج التحالفات العسكرية في المنطقة،  والتي ستشهر  صعود حلفاء و هبوط أخرين، من سلم الأولوية لدى الدول الغربية والناتو.

التعليقات (1)

    ناصر

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    نعم هذا صحيح بالتحضيرات ، هذا يعني مؤامرة جديدة على الثورة والشعب الثائر بإنتظار ايام العيد الفطر وبوقتها ستصل حاملة الطئرات الروسية ليشاركو مع الامريكان بضربة قوية ضد الثوار ولقتل المزيد من الشعب الصامد. حسبنا الله ونعم الوكيل .
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات