إخوان الخليج.. رأس الأفعى وذيلها

في زيارتي الأخيرة إلى أبوظبي، شعرت أنني لا زلت في مصر، فلا حديث سوى عن جماعة الإخوان، ومناسبة الحديث ليس فقط عودة العلاقات بين البلدين الشقيقين، مصر والإمارات، إلى طبيعتها بعد زوال هم el manawy issue 44الإخوان، ولكن أيضاً أن الإمارات كانت تشهد محاكمة ما اصطلح على تسميته بـ “الخلية الإخوانية”.

محاكمة الخلية الإخوانية في الإمارات تأتي تزامناً مع قيادات الجماعة في مصر، وكأن الدولتين الشقيقتين اتفقتا على القضاء على رأس الأفعى وذيلها في وقت واحد، رغم أن هذه الخلية كانت أحد أسباب توتر العلاقات بين مصر (إبان حكم الإخوان) والإمارات، بعد أن أعلنت السلطات الإماراتية في منتصف يوليو 2012 أنها فككت مجموعة “سرية” قالت إنها كانت تعد مخططات ضد الامن وتناهض دستور الدولة وتسعى للاستيلاء على الحكم، وبعد تحقيقات استمرت نحو 6 أشهر أعلنت النيابة العامة في الإمارات في 27 يناير من العام الجاري إحالة 94 إخوانياً الى المحكمة الاتحادية العليا ليحاكموا بتهمة التآمر على نظام الحكم والاستيلاء عليه، والتواصل مع التنظيم العالمي للاخوان المسلمين لتحقيق اهدافهم، وفي هذه الأيام تتم محاكمة 30 متهماً من المنتمين إلى ما عرف بـ”الخلية الإخوانية”، حيث تضم قائمة المتهمين 10 مواطنين، إضافة إلى 20 مصرياً، 6 منهم هاربون، ويحاكمون غيابياً.

علاقة الاخوان بالخليج بدأت من السُّعودية تأثرا في نشأتهم بتجربة الاخوان في السعودية مؤسس الجماعة ومرشدها الاول حسن البنا اثناء  حراكه السّياسي في مواسم الحج، التقى بالملك عبد العزيز آلتي سعود عام (1936) وطلب إنشاء فرع للإخوان المسلمين في السُّعودية، فرفض الملك قائلاً “ كلنا مسلمون وكلنا إخوان فليس في دعواك جديد علينا”، إلا أنّ الإخوان وُجِدوا كتيار فكري، وكأفراد تمتعوا بنفوذ كبير داخل المملكة في مراحل تاريخية لاحقة، كانت العلاقة بالإخوان كتنظيم ـ في الزمان الأول – جيدة، و لم يتعكر صفوها إلا بعد الثورة اليمنية التي تمايزت فيها مواقف الإخوان والسُّعودية، فموقف الإخوان كان مساندا لثورة اليمن، بينما وقف الملك عبدالعزيز آل سعود ضدها، وألقى هذا الموقف بظلاله سلبا على العلاقة بين الطرفين.

تجربة الاخوان في دول الخليج تبدو متشابهة في هذه الدول الى حد كبير، في العهد الناصري هاجر الإخوان من مصر بعد صدامهم مع النظام ومحاولتهم القفز على الحكم والانقلاب عليه، وتوسَّط الملك سعود عند جمال عبد الناصر في أزمة الإخوان الأولى، واستجيب له نسبيا، ولكن الإخوان عادوا إلى محاولاتهم الانقلابية فعاد الصدام من جديد. وجد أعضاء الجماعة الهاربون في الدول التي هربوا اليها سماء آمنة فنشروا وانتشروا واستطاعوا ان يتواجدوا خاصة في منطقتي التعليم والاقتصاد. سيطر المنتمون للإخوان المسلمين على المناحي التعليمية في الجامعات تحديدا في عقدي السبعينيات والثمانينيات، وكذلك على العديد من المنابر الإعلامية ومنابر الدعوة. انتشر أعضاء الجماعة وكونوا تنظيمهم وشعبهم تحت أعين الحكومات الخليجية في معظم الأحيان ، ولم يدركوا وقتها انهم يربون ثعبانا داخل ثيابهم، اعتقدوا أن مزيجاً من الدعم والاستيعاب يمكن ان يضمن لهم مناخا مستقرا. لم يدركوا وقتها انهم يحولون الخليج الى منطقة تمركز وانطلاق جديدة لتنفيذ مخططاتهم، وعلى سبيل المثال فان التنظيم الدولي للجماعة كان يعقد اجتماعاته في مكة والمدينة في موسم الحج كما قال القرضاوي نفسه الذي كان عراب الصفقة بين الاخوان وقطر التي تم بموجبها حل شعبة الاخوان في قطر مقابل الدعم الل محدود للتنظيم.

بعد الصفقة السياسية في عهد السادات مع الاخوان زار الهضيبي السعودية، وعقد عام (1971) اجتماعا موسَّعا للإخوان، تَشَكّلت فيه ملامح التنظيم الإقليمي، الذي ضمّ إخوانًا آخرين من البحرين والإمارات والكويت، وعلى الرغم من هذا التوسع الجغرافي في التنظيم اعتقد عديدون أن دور الإخوان الخليجيين لم يزد عن جباية الأموال. لكن الحقيقة أن جماعة الإخوان المسلمين الخليجية لم تعد تلك التي تجمع التبرعات والصدقات في الشوارع العامة والجوامع والمساجد، ولا يقتصر عملها على كفالة الأرامل والأيتام، ولكن اليوم أصبح ذراعاً سياسياً وأقتصادياً للجماعة الأمة في مصر، والأخطر أنها تبنت الفكر الإنقلابي في دول مجلس التعاون كما صرح وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان.

جماعة الإخوان المسلمين في الخليج العربي لها أرتباط بالتنظيم الأم في مصر، وأنها تحمل نفس الفكر الإنقلابي في مصر، ويتعجب البعض للارتباط العضوي مع الجماعة الأم والتنظيم الرئيسي، فإن جماعة الإخوان المسلمين تحمل نفس الفكر للتنظيم الرئيسي، بل إن تحركاتهم الأخيرة بالمنطقة بلغ الخطوط الحمراء إلى درجة التحذير العلني من قبل وزير خارجية دولة الإمارات . ويعد إلقاء القبض في الإمارات على شبكة إنقلابية أخوانية تسعى للإطاحة بالحكومات الخليجية هو دليل قاطع على نوايا الاخوان تجاه من آواهم عندما كانوا مطاردين.

أضف تعليق