مزيج من القصّ والأمومة والتوهان

حليب أسود.. حين ترسم إليف شفاق خارطة الروح

ت + ت - الحجم الطبيعي

هذه الرواية «حليب أسود» للكاتبة إليف شفاق، هي مزيج من القصّ والأمومة والتوهان والاكتئاب، تمثل كل رحلة فيه خارطة للدخول إلى تعقيدات الإنسان وروحه وقد أرادت الكاتبة أن تأخذنا في رحلتين معاً، واحدة إلى وادي الأطفال والأخرى إلى غابة الكتب.

في وادي الأطفال تدعونا لإلقاء نظرة قريبة على الأدوار الصادمة لحيواتنا، بدءاً بالنسوية ثم بالأمومة، ثم التأليف، وفي غابة الكتب سنناقش أعمال العديد من الكاتبات الماضيات والحاضرات، لنرى كيف جابهن بعض الأمور المشتركة في النجاح والفشل.

الكاتبة تزوّجت من أيوب في برلين، وهو رجل مهذب، صاحب روح كريمة، حصيف وعامل على الدوام، يتمتع بصبر على الدوام، أما هي، فعليها أن تشير لكلّ ما يعكس سجاياه تقريباً، سريعة الغضب، ومتسرعة وعاطفية وفوضوية..

هكذا وبكلّ بساطة دلفنا إلى السفارة، وأعلنا عن رغبتنا في الزواج، وكان هناك متشرد يجلس على دكة بالقرب من مدخل السفارة، خطر لي أن يكون شاهداً على زواجنا، لم يكن يتحدث الإنجليزية ـ ولم أكن أتحدث الجرمانية ابتكرنا لغة الإشارة للتفاهم بيننا، وهكذا وهبناه علبة سجائر، فبادلنا الامتنان بابتسامة تخلو من الأسنان، أعطانا أيضاً إصبع شوكولاتة ملفوفاً، قبلت هديته جذلانة، واعتبرتها فأل خير.

ولدتُ في ستراسبورغ، ونشأت في مدريد، وتنقلت بين أنقرة واسطنبول وعمان وكولونيا وبوسطن وميشيغن وأريزونا، عشقت الوحدة، والكُتّاب ليسوا اجتماعيين، والرواية هي أكثر الآداب وحدة.

حين عرفت أنها حامل صعقت، لم تكن تريد أن تصبح أمّاً، ودخلت تجربة الحمل بمشاعر مختلطة كأنها مختطفة إلى المجهول، ووضعت مولودها في سبتمبر من 2006، كانت مبتهجة ومغتبطة، استأجرت منزلاً صغيراً وحميمياً في إحدى الجزر المحيطة بإسطنبول، حيث يمكنها إرضاع طفلها والكتابة بهدوء، وانتابتها مرحلة اكتئاب ما بعد الولادة، وتناهى إليها قول جلال الدين الرومي:«الليل ينجب النهار.

لنستطيع بدء الحياة من جديد، في أي وقت، وأي مكان». لم يكن حليبها أبيض، كانت تتمنى أن يكون حليبها حبراً، فللكتابة دوماً تأثير ساحر يشفي روحها، وبها تستطيع أن تشق طريقها خارجة من هذا الاكتئاب.

تعرفنا الروائية على كاتبات عالميات، بعضهن تلتقي بهن وبعضهن تحفظ تاريخ حياتهن، فتلتقي بالكاتبة عدالة أولو و أ. ناييس نين فيرجينا وولف وجين أوستن، وأيميل برونتي فتعرفنا عليهن، وتبدأ معهن حواراً ينتهي غالباً بوقوفها منحازة إلى جانب الأنثى، وفيروز تقرأ الشعر الفارسي، لحافظ والتركي نظامي، ومحمد بن سليمان البغدادي، هو أخ لفيروز، ويقول عن الشعر:«الإيمان بالشعر يعني الإيمان بالحب والإيمان بالحب يعني الإيمان بالله». وهناك كثير من النساء خبأن قصائدهن، دفنها حتى لا يراها الرجال».

والقاعدة تقول: «الكتاب الرجال يجيؤون إلى الأذهان ككتاب أولاً، أمّا الكاتبات، فإنهن إناث أولاً ومن ثم كاتبات».

وتتحدث عن رحلتها إلى أميركا وتقرّر أن تمسي كاتبة وحسب، فـنايان راند اعتبر أن الأطفال الوحيدين كانوا كتبها، بينما لا نجد كاتباً واحداً يقول إنهم أطفاله، وإنّ دورثي باركر وساندرا سيسنيراس، رفضا حصر إبداع المرأة في الإنجاب، وانطلقنا في الكتابة بشغف، لقد أثر فيها جلال الدين الرومي وشمس التبريري، وساعداها على أن تفهم العالم.

فالروائي انعزالي، والأم منفتحة على العالم، فكيف يمكن أن توفّق بينهما، عرفت أن كلّ حالة منفصلة عن الأخرى، وأنّ لكلّ كاتبة خياراتها، وفي النهاية أنجبت بنتاً، وتلتها بولد. برعت شفاق وأثبتت أنها شجاعة وطيبة مثل بطلات الحكايات الخرافية اللاتي يفزن في النهاية.

أسئلة

تعدّد الكاتبات اللواتي هن أيضاً أمّهات، وتعدّد الكاتبات اللواتي لسن أمهات، فتسأل الكاتبة عن الحمل والولادة، فلا تحصل على نتيجة، وتكون النتيجة عندما تجد غجريتين تجلسان في الشارع، فتجلس لتدخن معهما، وبعد الأسئلة والإجابات تعرف أنّ العالم مسالم وجميل، والأمر لا يستدعي كلّ هذا القلق ولا أسئلة تنخر الرأس.

سيلفيا بلاث التي تزوجت من الشاعر تيد هيوز، كلاهما كان شاعراً، وكان زواجهما متحجراً، وتسبب ففي كثير من الألم لها، انتحرت سيلفيا بالأقراص المنوّمة والغاز بعد أن تركت ولدين، وسيمون دي بوفوار التي تقول: «لا تولد المرأة امرأة، ولكنها تسعى لتصير امرأة»، وقد مثل لها جان بول سارتر الكثير، فهو الأنيس والأب، والابن والمعلم والصديق القريب والحلم المستحيل.

المؤلفة في سطور

إليف شفاق ولدت في ستراسبورغ عام 1971، ترجمت أعمالها إلى أكثر من ثلاثين لغة، ومنحت وسام فارس التميّز الفخري للفنون والآداب وقد أصدرت 11 كتاباً، منها 8 روايات، وفيها تمزج التقاليد الغربية مع الشرقية، وتحكي عن النساء والأقليات والمهاجرات، من أهم أعمالها: قواعد العشق الأربعون الصوفية ولقيطة إسطنبول.

المترجم: أحمد عبد السلام العلي، وهو شاعر ومترجم من السعودية، ولد في مدينة الظهران عام 1986.

Email