حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

الأغنية المعولمة!

ديسباسيتو! هذا هو اسم أشهر أغنية في العالم اليوم، وهي من أداء المغني البورتوريكي لويس فونسي.
انتشرت الأغنية بشكل مذهل وتم استنساخ نسخ محلية منها بشتى اللغات واللهجات منها حول العالم. إنه زمن الأغنية المعولمة. وظاهرة قوة الأغنية المعولمة ليست بجديدة، فهي ظاهرة تتكرر كل فترة وأخرى، فالكل لا يزال يتذكر أثر أغنية «هابي» للفنان الأميركي فيريل ويليامز التي نالت انتشاراً أسطورياً، وكذلك من قبلها أغاني «لامبادا» و«ماكارينا» من البرازيل، وطبعاً لا يمكن عدم ذكر الأغنية الظاهرة «غانجام ستايل» للفنان الكوري الجنوبي «ساي». وطبعاً عربياً نالت أغنية «بشرة خير» للفنان الإماراتي حسين الجسمي ذات الصيت والانتشار.
كل هذه الأمثلة فيها شيء مشترك، وهو قدرة الأغنية على أن تتحول إلى ظاهرة «معولمة» وتولد منها نماذج إقليمية أو محلية فتعزز من انتشارها، مؤكدة قوة الموسيقى وقدرتها كقوى ناعمة على تجاوز حدود الثقافات والحدود والعنصريات، وقادرة على «جمع» أعداد كبيرة من الناس على الرغم من اختلافهم وتباينهم.
عادة هذه الأغاني لا يعلم معظم الناس معاني كلماتها ولا يحفظونها، ولكنها «قوة» الأغنية التي تتخطى كل هذه التفاصيل. وأشهر ظواهر الأغنية المعولمة على الإطلاق وأكثرها شهرة وانتشاراً هي أغنية «هابي بيرث داي تو يو» التي أثبتت كل الإحصاءات أنها تغنى لأعياد الميلاد الشخصية بكل لغات العالم، وتعود ملكية هذه الأغنية بالأساس إلى الشقيقتين الأميركيتين باتي وميلدريد هيل منذ عام 1893. وكذلك يشار إلى المطرب الأوبرالي الإيطالي «كاروسو»، الذي تجنس بالأرجنتينية في العشرينات الميلادية من القرن الماضي، بأنه أول مطرب «معولم» عابر للحدود وناشر للثقافات قبل التلفزيون وقبل كل وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة طبعاً. انتشر إلى درجة أنه تحول هو نفسه لاحقاً إلى مادة دسمة للكتب والأغاني والمسرحيات.
والأثر الناتج عن انتشار الأغاني «المعولمة» ليس فقط ترفيهياً، ولكنه له آثار اقتصادية عظيمة جداً، فأغنية ديسباسيتو كان لها الأثر الفوري على رفع معدلات الزيارات السياحية لبورتوريكو، وهذا ما نجحت فيه أيضاً أغنية «غانجام ستايل» التي وضعت كوريا الجنوبية على خريطة العالم السياحية، وكذلك الأمر بالنسبة لماكارينا ولامبادا وما تركتاه من آثار اقتصادية مهمة على اقتصاد البرازيل.
الأغنية من الأدوات المؤثرة في جعبات الدول، ومنها ما استخدم للقضايا الاجتماعية والشعبية في العالم العربي، وأهم ظواهره كان سيد درويش من مصر، وهو الذي تم استنساخ تجاربه بأشكال مختلفة عربياً، ولعل أهم نتاج مدرسته كان الشيخ إمام وأحمد فؤاد من مصر، وزياد الرحباني من لبنان، وناس الغيوان من المغرب، وهم جميعاً قدموا نماذج غنائية عابرة للحدود في تعاطيها مع قيم ثابتة مثل الرزق والدفاع عن المظلوم وطلب العلم والتوكل على الله، وكلها كانت نماذج كتب لها الخلود والنجاح المستمر العابر للأجيال بشكل أخاذ ومميز.
الدول والأمم التي تعتني بفنونها بشكل سليم وحقيقي توسع من قدرات تأثيرها الخارجي وأدوات التمكين لنشر ثقافتها خارج الأطر السياسية والدبلوماسية لتكسب تعاطف العالم وتأييده، وهي مسألة اهتمت بها جداً دولة كالهند التي استفادت من نشر أغانيها بشكل مؤثر، وخصوصاً في دول العالم الثالث حتى أصبحت من أهم أسباب انتشار التعاطف الإيجابي مع الهند الذي انعكس على الميزان التجاري وزيادة التعاون السياحي معها.
نجاح أي أغنية وتحولها إلى ظاهرة «معولمة» يدل على مسائل أكبر من مجرد انتشارها كأغنية، ولكنه يدل على قدرة العمل الجيد على إيجاد مساحة مشتركة عظيمة بين الشعوب تعجز عن السياسات.