خارطة طريق مستقبلية في منظور الانتخابات الرئاسية

100 يوم من أجل نجاح فرنسا.. بين «الانتحار» والنهوض

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتفق المحللون والباحثون الفرنسيون على القول بأن بلادهم تعاني من أزمة حقيقية كبيرة وأنها غدت ذات طابع «مزمن» إلى هذه الدرجة أو تلك.

لكنهم يختلفون من حيث قراءة المستقبل وينقسمون إلى تيارين كبيرين؛ يقول أحدهما إن أفق النهوض مفتوح، بل وإن بعض ملامحه ترتسم في المشهد القائم.

بينما يرى الذين ينضوون في خانة التيار الآخر يرون أن البلاد تسير نحو أزمة أكبر وأعمق بحيث إن البعض تحدّث عن «الانتحار الفرنسي»، كما جاء في عنوان للباحث أريك زيمور وبيع منه عشرات، بل مئات، آلاف النسخ.

وفي مثل هذا السياق يقدّم جاك اتالي، المستشار الشخصي السابق للرئيس الراحل فرانسوا ميتران وأستاذ الاقتصاد الذي أسس وتولّى رئاسة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، نوعاً من «خارطة الطريق» المستقبلية في منظور الانتخابات الرئاسية الفرنسية في ربيع العام القادم 2017، بحيث يرى أنه من المطلوب إعداد مشروع قبل الخوض في مسألة أسماء المرشحين.

ذلك بصورة كتاب ــ برنامج يحمل عنوان «100 يوم من أجل إنجاح فرنسا» وفي منظور تقديمه لرئيس الجمهورية القادم. والإشارة أنه تساهم في هذا الكتاب مجموعة كبيرة من الفرنسيين الذين يتولّى جاك اتالي إدارتها وتوجيه مساهماتهم واستخلاص النتائج منها.

من المقولات الأساسية التي ينطلق منها المؤلف هي أنه على مدى العقدين الأخيرين فشلت «المحاولات النادرة» التي قام بها رؤساء الجمهورية الثلاث جاك شيراك ونيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند في إجراء التحوّل الجذري المطلوب في توجهات البلاد وقيادتها نحو «النجاح المنشود».

مظاهر ذلك الفشل المستمر يحدد جاك أتالي مجالاتها الرئيسية الثلاثة في استمرار، بل تعاظم «ظاهرة البطالة» التي تصيب ما يزيد عن 10 بالمائة من القادرين على العمل؛ وفي «شيوع حالة من عدم الأمن»، كما يدل تزايد إيقاع العنف والاضطرابات لدى شرائح الشباب من أبناء الضواحي خاصّة؛ وفي واقع «التشاؤم» الذي يخيّم لدى الفرنسيين حيال مستقبل بلادهم.

أمام المشهد القائم وبعيداً عن الجنوح نحو صياغة الإنذارات ذات النزعة التشاؤمية يعلن «أتالي» عن قناعته الثابتة، مع مجموعته، أنه يمكن للفرنسيين أن يستعيدوا ثقتهم بأنفسهم وبالتالي أن تستعيد فرنسا مكانتها التي كانت لها في أوروبا والعالم. وفي مثل هذا المنظور يضع بين يدي رئيس الجمهورية القادم ما يسميه «برنامجاً طموحاً لتنفيذه خلال مئة يوم»، ويقصد المئة يوم الأولى من الفترة الرئاسية لذلك الذي سينتخبه الفرنسيون رئيسا لهم.

وما يتم التأكيد عليه هو أن إعداد هذا البرنامج ــ خارطة الطريق ــ جرى من قبل آلاف الفرنسيين الذين ساهموا في إنجازه. وهم ينتمون إلى مختلف شرائح العمر ومختلف الشرائح الاجتماعية والأصول والكفاءات. ذلك بعيداً عن تمويل أية جهة أو حزب سياسي أو مجموعة ضغط.

ولا يعفي واضعو هذا البرنامج ــ خارطة الطريق ــ الطبقة السياسية الفرنسية من مسؤولياتها عن الوضع القائم، حيث إنها «مأخوذة بالخصومات الشخصية وبالمعارك الخيالية وليس بالبحث عن مشروع للبلاد». بهذا المعنى يريد جاك اتالي ومجموعته تحديد التحديات العشرين الأساسية التي تواجهها فرنسا وينبغي حلّها خلال الفترة الرئاسية القادمة.

ذلك بحيث يستفيد الرئيس الجديد من فترة الشعبية الأولى التي يكتسبها بعد المئة يوم الأولى على انتخابه. التحدي الأول هو على صعيد «المؤسسات والحياة السياسية». وهنا يتم التأكيد على «التجديد والاستقامة» وجعل الفترة الرئاسية «سبع سنوات غير قابلة للتجديد». والتأكيد على الرقابة المالية الحازمة على البرلمانيين والجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ ــ السينا.

وعلى صعيد السياسة الخارجية يتم التأكيد على «الفعل والتوقف عن مجرّد التحمّل والتلقي». هذا مع اقتراح «محكمة دولية للبيئة» و«تأسيس برلمان لمنطقة اليورو». وبالنسبة لتحدي الدفاع «إعطاء الدفاع من جديد العمق الإستراتيجي» عبر تكريس «2 بالمئة على الأقل من الميزانية للدفاع» و«المحافظة على مكونات الردع النووي على مستواها الحالي».

وتشكّل الثقافة التحدي الرابع باعتبارها «حجر الزاوية في أي مجتمع ديمقراطي». هنا يتم اقتراح جعل وزير الثقافة في عداد الوزراء الرئيسيين «بروتوكولياً» و«فتح المؤسسات الثقافية للجمهور»...الخ. والتحدي الخامس يخصّ «الأمن» حيث يتم التأكيد على «تأمين وسائل الحماية للجميع» وإطلاق تسمية «وزارة الأمن الداخلي على وزارة الداخلية»...الخ.

وكذلك تفاصيل كثيرة حول «تحدي الاندماج» عبر خلق «نسيج مشترك»؛ و«تحدي العدالة» من خلال «الفعالية والحياد والوضوح»؛ و«تحدّي تأسيس المشاريع» عبر «تطويرها وتقديم التسهيلات»؛ و«تحدّي إعادة النظر بسياسة الضرائب» بحيث يتم تبنّي «الوضوح والتبسيط» ؛ و«تحدّي إيجاد فرص العمل» على أساس قاعدة «التكوين من أجل العمل».

و«التحدّي الرقمي» عبر العمل من أجل النجاح في تحوّل يتسارع؛ وتحدّي التربية نحو استقلالية ذاتية أكبر.

إصلاحات

خطة مستقبلية في منظور واحد، هو ألا يتم في الانتخابات الرئاسية القادمة اختيار مجرّد شخص، بل تبنّي برنامج لإنقاذ البلاد. و«هذا ممكن».

كما ينتهي المؤلف تقديمه لعمله. والإشارة في هذا السياق أن «غياب البرنامج الواضح يخلق شروط القيام بأعمال تمرّد». ذلك أن البلاد، فرنسا، كما يتم رسم ملامحها الرئيسية اليوم هي في أسوأ وضع؛ فهي «بدون أفق ودون مشروع» و«تعاني من حالة توقف حقيقية». وبالتالي لا بدّ من إجراء «إصلاحات حقيقية».

المؤلف في سطور

جاك اتالي هو المستشار الشخصي السابق للرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك. أستاذ في الاقتصاد وروائي وكاتب مسرحي وصحفي...ومؤسس وأوّل رئيس للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية. من مؤلفاته الكثيرة «تاريخ الحداثة» و«العوالم الثلاثة» و«السبيل الإنساني»...الخ.

Email