علي لطيفي
كاتب من خدمة «نيويورك تايمز»
TT

بعد «أم القنابل»... كابل تقرر الالتزام بالهدوء

قضيت ليلة 13 أبريل (نيسان) الحالي مع ابن عمي واثنتين من عماتي في حي «وزير أكبر خان» الراقي بمدينة كابل بأفغانستان. دار أغلب حديث العمتين عن عصر الحرية والرخاء والراحة الذي نعموا به طيلة سنوات الشباب في حقبة الستينات من القرن الماضي وسط مجتمع الصفوة بكابل. وبينما كنا ننتظر قدوم سيارتنا في الطريق، أبلغني ابن عمي بحدوث انفجار في ننجرهار، ولاية بشرق أفغانستان تتحدر منها عائلتنا. أمسك كل منا بهاتفه الجوال، ليبحث في قائمة الأسماء على عجل. ركبنا جميعاً السيارة وكان واضحاً أن ما حدث لم يكن البداية لما أطلقت عليه حركة طالبان «هجوم الربيع».
ففي نحو الساعة 8 مساء بتوقيت أفغانستان، أسقطت الولايات المتحدة قنبلة زنة 21.600 رطل، بلغت تكلفتها نحو 16 مليون دولار، على قرية أسدخيل الصغيرة المحصورة بين هضبتين، لكن الهدف كان شبكة أنفاق يستخدمها مقاتلون موالون لتنظيم داعش في العراق وسوريا.
تعيش أفغانستان حالة حرب امتدت لـ4 عقود متتالية، حيث رزح شعبنا الأفغاني تحت نير الاحتلال السوفياتي لفترة من الزمن، وأعقب ذلك الحرب التي خاضها «المجاهدون» في مواجهة الاتحاد السوفياتي بدعم من الولايات المتحدة، لكن الحرية التي نالها الأفغان من الاحتلال السوفياتي لطختها الحرب الأهلية الوحشية بين مختلف فصائل «المجاهدين» (حيث حكم أمراء الحرب مناطق واسعة من البلاد وكانت الخسائر البشرية جراء ذلك كبيرة).
جاء حكم «طالبان» ورأيناهم يجبرون على الاستسلام والهروب عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). وبعد ذلك نعمت البلاد بفترة هدوء نسبي قبل أن تستعيد «طالبان» عافيتها لتشن عملية تمرد دامية طويلة استمرت حتى يومنا هذا، وشاهدنا كيف أن العالم أصابه الملل من حروبنا التي لا تنتهي وقرر أن يسقطنا من حساباته.
وعلى مدار سنوات الحرب، أصبحنا نعد قوائم بالأسوأ في أفغانستان.. قوائم شملت لحظات الرعب، والانتصارات والهزائم العسكرية، والأسلحة المستخدمة، والفظائع التي ارتكبت، والمرات التي جرى فيها إنقاذ أرواح. وجاء تفجير «أم القنابل» يوم 13 أبريل الحالي ليشكل إضافة صادمة لتلك القائمة. فلم ترد أفغانستان على لسان هيلاري كلينتون ولا دونالد ترمب خلال حملتهما الانتخابية إلا نادراً، لكن ترمب اختار قرية أفغانية نائية ليجرب فيها أقوى قنبلة غير نووية في العالم.
كانت أفغانستان المكان الذي اعتبرته إدارة ترمب الأنسب لاستعراض قدراتها. في الحقيقة، شعرت بعدم الارتياح على الرغم من كوني صحافياً بعدما رأيت بلادي تُستخدم مسرحاً لاستعراض أقوى قنبلة غير نووية في العالم. سألت ابن عمي: «من أعطاهم الحق في تجربة هذا النوع من الأسلحة معنا أو مع غيرنا؟».
شاهدت ننجرهار وقد وضعت عليها علامة على خرائط أفغانستان، كأنها ليست مأوى لنحو مليون ونصف المليون إنسان، وكأن لم يعد هناك شيء إنساني يستحق الذكر، وبات الأمر مقتصراً على مواصفات ذلك السلاح الجديد. فقد وصفت التقارير الإخبارية منطقة أتشن، أقرب المناطق للقرية التي تعرضت للتفجير، فقط باعتبارها مكاناً يسكنه مقاتلو «داعش».
باتت القنبلة هي «البعبع» الذي يخيف به الناس أطفالهم، ولم يعد هناك وجود للناس الذين ذاقوا ألوان العذاب لثلاث سنوات في ظل حكم «داعش» البربري. ما يهم هو الإرهابيون وكهوفهم والقنبلة المهولة المرعبة.
ذهبت إلى سريري في تلك الليلة مثقلاً بهمٍ لا يطاق بعد أن تيقنت أن بلادي لا تزال مسرحاً تستعرض فيه الدول الكبرى قوتها على الأرض. ففي صباح الجمعة الماضي، استيقظت لأكتشف أن كابل قررت الالتزام بالهدوء وعدم الاعتراض على قرار استخدام «أم القنابل».

* خدمة «نيويورك تايمز»