علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل
TT

عندما تسلم الدولة نفسها لأعدائها

ومن «كليشيهات» اللغة كان يجب علينا أن نقول «على طبق من الفضة»، أما حقيقة الأمر فهو أن الدولة تسلم نفسها لأعدائها على طبق من الفساد. ليس فساد المسؤولين فقط، بل فساد السواد الأعظم من موظفيها ومتنفذيها. وبالمناسبة، الجهل والغباء صفتان داخلتان في باب الفساد، وهو ما يذكرنا بمقولة ميكيافللي في كتابه «الأمير»: «ليس خطرا وجود أمير فاسد، فسيصل بعده حتما أمير صالح يصلح ما أفسده، غير أن الخطر الحقيقي هو أن يستولي الفساد على الأمة، فعند ذلك تفقد حريتها ويستطيع أي أحد الاستيلاء عليها».
هذا «الأحد» في العراق كان اسمه «داعش»، أما في اليمن فكان اسمه «الحوثيون». تستطيع أن تعرف حجم الفساد الذي استولى على شعب ما من سلوك أفراد قواته المسلحة عندما يفرض عليها القتال دفاعا عن أرضهم. في العراق انسحب الجنرالات والجنود من مواقعهم وتركوا أسلحتهم ومعداتهم لـ«داعش» وفروا هاربين. أما في اليمن فنحن نسمع الآن عن تواطؤ قيادات في الجيش اليمني مع الحوثيين. أن يخون جنود وضباط في القوات المسلحة بلدهم ودولتهم وجيشهم، فمعنى ذلك ببساطة أنهم أصلا فاسدون يفتقرون بالكلية للإحساس باعتبار الذات، هم أصلا يشعرون بأنهم لا شيء.
الواقع أن الوضع في اليمن كان لا بد أن ينتهي إلى ما انتهى إليه الآن، لقد ماتت الدولة، وإن كان لم يصدر لها حتى الآن تصريح بالدفن. وهي لم تمت الآن بالسكتة القلبية الحوثية، بل ماتت عبر سنوات طويلة من فساد الدولة.
الدولة هي المحتكر الوحيد للعنف، وليس من حق مخلوق في الدولة أن يحمل سلاحا لم ترخص له الدولة بحمله بهدف الدفاع الشخصي. وعندما تسمح الدولة لجماعة من مواطنيها بحمل السلاح بغير ترخيص منها، فمعنى ذلك أنها كتبت شهادة وفاتها بأيدي حكامها. لا أحد أكبر من الدولة داخل حدودها، ولا أحد تسعده فكرة الحرب، غير أن رجل الدولة مطالب بحمايتها وحماية مواطنيها حتى لو خاض حربا من أجل ذلك.
سيتولى الحوثيون إصدار تصريح الدفن لدولة اليمن، بعدها على الفور سيستخرجون شهادة ميلاد للبلد باسمهم هم. سيسعدون جدا لعدة أيام، بعدها ستهاجمهم مخاوفهم وشياطينهم وكوابيسهم فينفجرون في الناس في كل مكان فنبدأ حينئذ في سماع الأخبار المؤلمة. سيسعدون لعدة أيام بعدها يكتشفون أنهم غير مؤهلين لحكم شعب، لأول مرة سيكتشفون عجزهم عن ممارسة الحكم بأي درجة، وللهروب من حالة العجز هذه سيلجأون لتصدير الثورة للخارج، للمملكة العربية السعودية بالتحديد، سيقولون للشعب اليمنى إن عجزهم سببه الدولة السعودية!
نصل الآن لما يجب أن نفكر فيه وهو الدفاع.. الدفاع.. الدفاع.. يرى كلاوزفيتز أبو الاستراتيجية، أن الناس تبدع في حالة الدفاع بأكثر من الهجوم، ثم يقول إن الحرب الحقيقية هي الدفاعية.
هي سنوات قليلة ستمر لا أقول بحلوها ومرها، لأنه لا حلو فيها، بل هي مأساة وعاصفة قاتلة علينا أن نتحملها في هدوء وصبر وشجاعة.