مصالحة أهل سيناء

بقلم عبد اللطيف المناوي

فى ذكرى تحرير سيناء، وفى ذكرى تحرير طابا، وفى ذكرى حرب أكتوبر، من كل عام، يبدأ الحديث عن أهل سيناء، وأهمية تنمية سيناء، وتستضيف القنوات الفضائية بعض شيوخ القبائل والمتخصصين الذين يتحدثون عن التضحيات التى قدمها أهل سيناء وأهمية التنمية فى تلك المنطقة الاستراتيجية، ثم لا يلبث الحديث أن يهدأ مع الوقت، ثم يخفت حتى يختفى تماماً ليعود فى موعده فى المناسبة التالية، وهكذا استمر الأمر لعقود متتالية، نسمع حديثاً عن تنمية سيناء دون أن نراها.

والحقيقة أن ما تحتاجه سيناء الآن قبل التنمية هو المصالحة، مصالحة حقيقية مع أهل سيناء ممن دفعوا الثمن لسنوات طويلة، ومازالوا يدفعونه حتى الآن. وجزء مما يحدث فى سيناء خلال السنوات الخمس الأخيرة، وقبلها أيضاً دفع ثمنه أهل سيناء، دفعوه على مستوى الأمن، ودفعوه على مستوى حياتهم الأسرية والاجتماع، ودفعوه على مستوى حياتهم القبلية، وعلى مستوى إحساسهم بالأمان، دفعوه على مستوى وصمهم بالإرهاب والتعامل الأمنى القاسى والمهين فى بعض الأحيان فى بعض الفترات الماضية.

وفى الفترة الأخيرة اتجهت الدولة إلى إقامة المشروعات الكبيرة لتنمية سيناء، وهى المشروعات التى نتمنى أن تتم فى القريب العاجل، لأنها تستغرق فى المعتاد وقتاً طويلاً حتى يشعر المواطن بتأثيرها.

لكن ما على الدولة أن تفكر فيه بالتوازى مع تلك المشروعات الكبيرة هو الإجراءات الأكثر إلحاحاً التى يحتاجها أهل سيناء الآن، كى يشعروا بالمصالحة التى نتحدث عنها، وأن يشعروا بالتنمية- التى يسمعون عنها- بين أيديهم، وهو ما يحتاج إلى خطوات وحلول أسرع تأثيراً، وهذا لن يتأتى إلا عن طريق شكل من أشكال التنمية المباشرة والتعامل المباشر، عن طريق المشروعات الصغيرة، والمشروعات المتوسطة، التى ستسهم فى إنعاش المجتمع السيناوى، وتُشعر أبناءه بوجود الدولة بجوارهم، وبثمار أسرع للتنمية.

وإذا كانت المشروعات الصغيرة هى عصب أى مجتمع اقتصادى ناشئ، كما يقول الخبراء والمختصون، فعلى الوزارات المعنية بهذه المشروعات أن تتحرك فعلياً وسط أهالى سيناء، وأن تبحث عن المشروعات المناسبة للبيئة السيناوية، والتى ستحقق إيراداً يكفل استمرارية هذه المشروعات ونموها، فضلاً عن الاستقرار الاجتماعى الذى يمنح شعوراً بأن الدولة موجودة بالفعل ومعنية بمواطنيها، لأن الفراغ الذى تركته الدولة طوال السنوات الماضية سمح للإرهاب بأن ينمو، وأن يجتذب شريحة- ربما لا تكون كبيرة- لكنها وضعت حاجزاً بين الدولة ومواطنيها، وهذا الحاجز من السهل كسره إذا دخلت الدولة- بمشروعاتها الصغيرة سريعة التأثير، وبتواجدها، وبالتنمية الفعلية- بين أهالى سيناء.

المشروعات الصغيرة والمتوسطة ستسهم فى إشعار أهل سيناء بأن هناك حركة ما تحدث، وأن التنمية التى يسمعون عنها منذ عقود تتحقق بالفعل على أرض الواقع، يحدث هذا بالتوازى مع المشروعات الكبرى والقومية التى أطلقتها الدولة، أو التى تنوى تدشينها، وبهذا تتحقق المصالحة المنشودة، وبهذا أيضاً لن نتحدث فى المناسبات الرسمية المقبلة عن أهمية تنمية سيناء بل عما تحقق، لكن الأهم أن تبدأ الدولة فى اتخاذ خطوات فعلية باتجاه ذلك.

أضف تعليق