عبث سياسى فى غير وقته

صورة-أرشيفية-مجلس-الوزراء-المصريعبد اللطيف المناوي

عندما خرج المصريون فى الثلاثين من يونيو لم يخرجوا خلسة أو فى ظلام، وعندما طالبوا بمطالب كانت مطالب واضحة لا لبس فيها، لذلك فإن المتوقع ممن تولوا السلطة وإدارة البلاد بناء على ثورة المصريين أن يكونوا على مستوى اللحظة. قام الجيش بدوره وانحاز للناس وحقق مطالبهم ثم سلم إدارة البلاد للسياسيين الذين اعتقد بعضهم أنهم أصحاب حق وأنهم الأكثر حكمة ومعرفة بشؤون ومصلحة المصريين، بل اعتقد البعض الآخر أنها دانت له وبات الزعيم المنتظر. وفى زحام الحالة وارتباكها حاول البعض البحث عن دور فخطف ملفا أو قضية وانتحى بها جانبا ليرتب أوضاعها فيخلق أمرا واقعا جديدا يكون له فيه بالطبع موقع الريادة أو الرئاسة لكيان جديد أو قديم رتب هو أوضاعه فى غياب وجود منظومة عامة برؤية شاملة.

سأتحدث اليوم عما يدور من أنباء حول المفاوضات السرية بين الدولة -كثيرة الأطراف- وجماعة الإخوان المسلمين داخل السجن وخارجه، ولقاءات تتم بين مسؤولين قرروا أن يديروا لقاءات مع الجماعة تبدو كل الشواهد أنها تعبير عن اجتهادات شخصية بعيدة عن موقف واستراتيجية دولة، وقبل ذلك موقف شعب. الأخبار المتناثرة هنا وهناك تتحدث عن لقاءات سرية تدور بين عدد من المسؤولين فى أجهزة الدولة وبين قيادات الجماعة للتفاوض حول أسلوب حل الأزمة، كما يعتقدون، وشروط الطرفين لعودة الهدوء، ودار الحديث عن لقاءات متعددة بدأت بمواقف متشددة وخطوط حمراء كثيرة، على حد وصفهم وانتهت، حتى كتابة هذه السطور، بتنازل الدولة عن أربعين فى المائة من الخطوط الحمراء (!!!)، أما القيادات التى تم الحوار معها فتبدأ بخيرت الشاطر وانتهاء بقيادات الشباب والمنشقين عن الجماعة. هذا إن صح فهو استهتار بالمصريين وما فعلوه وما طالبوا به، كما قلت لم يخرج المصريون سراً أو تحت جنح الظلام ومطالبهم كانت واضحة وضوح الشمس، وعلى من يدير البلاد إما أن يلتزم هذه المطالب أو يرحل.

من حقنا أن نعلم ماذا يدور فى الخفاء، من واجب من يتعامل مع هذا الملف أن يلتزم المطالب والمواقف الواضحة للمصريين. على مسؤولى هذه الدولة الخروج والإعلان عما يدور فى الخفاء، ماذا تقترحون على أعضاء الجماعة وما هى الخطوط الحمراء التى وضعتموها ثم تنازلتم عنها؟ ما الذى تنازلتم عنه ومن أعطاكم الحق فى التنازل عنه؟ ما حقيقة ما يدور حول ضغوط خارجية تدفعكم للتراجع عن مطالب شعب توحدت كلمته نحو التخلص من الجماعة؟

يدور الحديث عن انقسام داخل الحكومة وسياسيى الدولة حول السياسة الواجب اتباعها تجاه ملف التعامل مع الجماعة، ويعتقد البعض ممن احتل مواقع مسؤولية فى الدولة أن يمتلك قدرة لىّ الذراع لتنفيذ رؤيته وإلا أحرج الجميع أمام العالم بخروجه أو استقالته. البعض الآخر يستغل وضعه فى البدء بحملة انتخابية مبكرة سواء كان هدفه البرلمان القادم أو الانتخابات الرئاسية، وكل من هؤلاء يضع فى حسابه القوة التصويتية للإخوان وحلفائهم، فيلعب دورا يغازل فيه هذه الأصوات ولتذهب رغبة المصريين إلى الجحيم.

كان أحد الأخبار الغريبة غير المبررة وغير المقبولة هو ذلك الإعلان المبكر عن اللقاء بين مؤسسة الرئاسة والمنشقين من الإخوان المسلمين الذين خرج بعضهم لينفى فتضطر الرئاسة للرد بأنهم لم يقصدوا هؤلاء المنشقين بل كانوا يقصدون المنشقين الآخرين، وتخرج مجموعة من هؤلاء المنشقين لتطالب بتمثيل داخل مؤسسات الدولة وفى لجنة الخمسين ويلزمون الرئاسة بلقائهم وتبنى مبادراتهم للمصالحة. خبر اللقاء كان مفاجئا ولا يتسق مع الجو العام ويتناقض مع سلوك دولة قوية تواجه جماعة قررت أن تكون خارجة على القانون وعلى الجماعة، وليس من حق فرد مهما كان موقعه أن ينفرد باتخاذ قرار بحوار ضد الرغبة المجتمعية وقبل أن تتوقف الجماعة عن الخروج على القانون وتلزم بالخط العام الذى توافق عليه المصريون. لقد كانت الرؤية واضحة تماماً فى خارطة الطريق، لا إقصاء لمصرى، شريطة الالتزام بما توافق عليه المصريون، وقبل الإعلان عن الالتزام الكامل بهذا فإن أى حوار هو خروج عن الخط العام فما بالك بتفاوض.

أى عبث هذا؟ من الذى يتعامل مع هذه الملفات؟ من الذى يقرر استراتيجية التعامل فى هذا الموضوع؟ هل هناك ورقة مبادئ حاكمة أم أنها متروكة لمبادرات واجتهادات فردية؟ السؤال ببساطة من يفعل ماذا وكيف ولماذا؟ والسؤال الأهم أين رغبة ملايين المصريين أصحاب الحق الأصيل وأين حقهم المطلق فى المعرفة؟

إلى كل المسؤولين والسياسيين، استدعوا إلى الذاكرة صورة المصريين فى الثلاثين من يونيو والتزموا واحترموا إرادة الشعب.

أضف تعليق