إميل أمين
كاتب مصري
TT

الشرق الأوسط.. ونرجسية ترامب المستنيرة

بعد أسبوع يدخل الرئيس الأميركي الخامس والأربعون دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ليضحى صانع القرار وموجه الأفكار في ذلك البلد الإمبراطوري، وبهذا يرث جميع ملفات سلفه بما تنوء به من إخفاقات كثيرة وإنجازات قليلة.. والسؤال كيف سيكون حال ومآل الشرق الأوسط في عهد ترامب؟
لا تزال منطقة الشرق الأوسط تمثل أهمية ما للولايات المتحدة، وعليه يتوجب على الإدارة الأميركية المقبلة صياغة رؤية لمستقبل تلك المنطقة المليئة بالألغام، التي يمكن أن تنفجر في وجه أي سياسات واستراتيجيات خاطئة. كما أنه من المؤكد أن الشرق الأوسط يبقى أمنًا قوميًا للولايات المتحدة، هذا ما خبرتنا به تحليلات «ناشيونال إنترست» مؤخرا، فالمكانة التي يمثلها الموقع الجغرافي للشرق الأوسط كمفترق طرق قارية تستلزم مجموعة أخرى من المصالح، ومنها التدخل والعبور العسكري، ويشمل مرورًا سلسًا من خلال قناة السويس، كعنصر في الإسقاط العالمي للقوة العسكرية الأميركية.
هنا أيضًا ينبغي علينا أن نذكر بأن عناصر القيم الجوهرية للشرق الأوسط لا تزال باقية، وتلك العناصر تتمثل في أمرين؛ الأول هو منابع النفط، والثاني أمن إسرائيل.
أما عن منابع النفط فلا يزال الشرق الأوسط ودول الخليج الكنز الطبيعي الأول لمصدر الطاقة الأيسر والأرخص والأكثر فاعلية في زخم حضارة الغرب حتى الساعة، وما حكاية الطمي الصخري إلا ضجيج.
البعد الآخر في أبعاد الأمن القومي الأميركي يتصل بإسرائيل، ذلك التحالف الأبدي بين البلدين، الذي تعرض مؤخرًا لاهتزاز عميق بعد تخلي واشنطن عن دعم تل أبيب في مجلس الأمن، وقد رأينا في حملة ترامب الانتخابية اتجاهات واضحة جدًا لدعم إسرائيل، ربما أيضًا بشكل غير مسبوق، وبخاصة لو نفذ الرجل - الرئيس وعده بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، حيث إنه في هذه الحال سيغير ويعدل ويبدل من أوضاع الشرق الأوسط بشكل غير مسبوق، فالقدس ليست مدينة عادية تحت الاحتلال الإسرائيلي، بل هي واحدة من المقدسات الدينية الإسلامية التي لا يتوجب أبدًا المساس بها.
السؤال الجوهري في هذه القراءة هو: كيف سينظر ترامب إلى دول الشرق الأوسط وحكامها وشعوبها؟ هل سينظر إليهم بوصفهم شركاء وحلفاء؟ أم سينظر إليهم على أنهم عكس ذلك، كما ذهب إلى ذلك أوباما قبل بضعة أشهر، عبر حديثه الشهير لمجلة «ذا أتلانتيك»؟
يخشى المرء أن يكون مذهب ترامب الخاص بـ«دفع الثمن» هو مرحلة أسوأ من ذاك الذي تكلم عنه أوباما.
من بين القضايا المهمة للغاية التي ستحدد مصير ومسير علاقة إدارة ترامب بالشرق الأوسط، نظرته للإسلام والمسلمين بشكل عام، ولمسلمي الولايات المتحدة على نحو خاص.
وفي كل الأحوال قد يكون الوقت مبكرًا للحكم على شكل تلك العلاقة بعد حلوله في البيت الأبيض رئيسًا، لكن من المهم للغاية الإشارة إلى أنه بقدر تحسن المشهد سوف تتمكن واشنطن من الاقتراب من العالمين العربي والإسلامي، ومحاولة تعويض خسائر زمن باراك أوباما، والعكس بالعكس في الوقت ذاته.
ينبغي على إدارة ترامب ومستشاريه التنبه إلى فخ كبير قد تقع فيه بقصد أو غير قصد، وهو أن كل تحامل غير إيجابي على دول الشرق الأوسط، أو أي عداء ظاهر أو خفي للإسلام أو المسلمين سوف يصب حكمًا وحتمًا في صالح التيارات المتشددة والجماعات الراديكالية، وهذه تنتظر أخطاء ترامب على أحر من الجمر، حتى تجد لها مداخل لنشر أفكارها، وكسب مزيد من الأتباع والمريدين.
الأمر الآخر الذي يجب على إدارة ترامب فهمه بعمق ووضوح، أن قضية فلسطين هي القضية المركزية للعرب والمسلمين منذ سبعة عقود وحتى الساعة، وعليه فإن لدى ترامب فرصة ذهبية إن عدل وجعل من بلاده وسيطًا نزيهًا يقود لحل المشكل الأخطر والأعرض، وفي الوقت نفسه هو أمام بئر عميقة خطيرة يمكن أن تبتلع سلام وأمن الشرق الأوسط برمته، حال أوفى وعده تجاه نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، الأمر الذي تجنبه رؤساء أميركا السابقون حتى الساعة، لإدراكهم العميق بالأضرار التي ستنعكس على أوضاع العلاقات العربية - الإسلامية مع الولايات المتحدة.
أفضل ما يقال ودونالد ترامب على عتبات البيت الأبيض، أن واحدة من الخصائص الرئيسية لتوثيق الصلة بين الشرق الأوسط، وصانعي القرارات خلال فترة الإدارة الأميركية المقبلة، هي نتائج الربيع العربي، فما زالت المنطقة ترتجف بفعل الثورات والأمل في الديمقراطية والاستقرار، وعليه فإن أهداف القوى الخارجية ومنها الولايات المتحدة يجب أن تصاغ، ليس في أي اتجاهات كبرى للمنطقة، لكن في تقليل الأذى الذي يحدث الآن.
يفلح ترامب كثيرًا إن تعاطى مع الشرق الأوسط من خلال النرجسية المستنيرة، بمعنى أن اهتمامه بالمنطقة سوف يقود إلى أمن وسلام داخلي في الولايات المتحدة نفسها، ويخطئ كثيرًا لو اعتبر أن العالم منقطع بعضه عن بعض جغرافيًا ولوجيستيًا وآيديولوجيًا.